فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نعم عاد من أبناء جلدتنا من سلب المرأة حقوقها وأرادها خراجة ولاجة يساومونها على عفتها وكرامتها وشرفها عبر إعلانتهم التجارية وفضائياتهم العفنة، وآخرين يعتدون على أنوثتها ويدنسون رقتها قالوا لها: كوني رجلًا! وقابلي المجرمين لتقضي بينهم! كوني مقاولة..! تنقلي بين البلاد واغتربي لتكوني سفيرة..!! زعموها حقوقا!! هل من حق المرأة أن تكون رجلًا؟! أن تخرج عن خِلقتها؟!
أن تمارس أدوارًا خارج فطرتها؟! أن تمارس أعمالا لا طاقة لها بها؟! أن تتمرد على أنوثتها؟! أن تخالف رقتها؟! أن تبعثر جمالها؟! عجبا أن يطلب من القمر المضيء أن يكون شمسًا محرقة! أهذه حقوق؟! أم أنها مفاهيم عفنة وألفاظ تتصادم مع الفطرة وتعجل بانتقام الخالق سبحانه.
إن الإسلام هو المملكة التي أعطت الحقوق لكل من فيها ذكرًا كان أو أنثى، إنسانًا أو حيوانًا، صغيرًا أو كبيرًا، فقيرًا أو غنيًّا، وسيظل الإسلام ظاهرًا وباقيًا محفوظًا بحفظ الله وسنعيش في تلك المملكة طالما تمسكنا بتعاليمه وقواعده فهو مصدر عزتنا وكرامتنا قديما وحديثًا ومستقبلًا، والمرأة هي الكيان التي تقوم به تلك المملكة ولو خرجت عن هذا الكيان وعن دورها فيه لتحطمت تلك المملكة وانهارت.
وختامًا؛ فالإسلام هو نصير المرأة أمًّا وأختًا وابنة، ومنقذها ومحررها ومخرجها من الطغيان والذل، وجعلها تخرّج الأجيال والأبطال، فوراء كل عظيم امرأة، فلا خداع ولا مداهنة ولا فلسفات فاسدة، ولكنه تاريخ يمتد عبر العصور، وحضارة تثبت جدارتها وإنسانيتها، وقدرتها على الابتعاث من جديد، عرف من عرف، وجهل من جهل.
والله غالب على أمره، ولو كره المرجفون. اهـ.

.تفسير الآية رقم (35):

قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين حال الوفاق وما خالطه من شيء من الأخلاق التي يقوم بإصلاحها الزوج، أتبعه حال المباينة والشقاق المحوج إلى من ينصف أحدهما من الآخر فقال: {وإن خفتم} أي أيها المتقون القادرون على الإصلاح من الولاة وغيرهم {شقاق بينهما} أي الزوجين المفهومين من السياق، يكون كل واحد منهما في شق غير الشق الذي فيه الآخر، ولا يكون ذلك إلا وأحدهما على باطل، وأضاف الشقاق إلى البين ليفيد أن هذا العمل إنما يكون عند الخوف من شقاق خاص، وهو أن يكون البين المضاف إليهما- وهو الذي يميز كل واحد منهما من الآخر- لا تمكن في العادة إزالته ليكونا شيئًا واحدًا كما كانا لا بين لهما، وذلك بظن أنه لا صلاح في اجتماعهما {فابعثوا} أي إليهما للإصلاح بينهما بإنصاف المظلوم من الظالم {حكمًا من أهله} أي الزوج {وحكمًا من أهلها} أي الزوجة، هذا أكمل لأن أهلهما أقرب إلى إزالة أسباب الشقاق من بينهما، لأنهم أجدر بالإطلاع على بواطن أمورهما وعلى حقائق أحوالهما، والزوجان أقرب إلى إطلاعهما إن كانا قريبين على ضمائرهما، وأقرب إلى إخفاء ذلك عن الأجانب؛ وفائدة الحكمين أن يخلو كل منهما بصاحبة ويستكشف حقيقة الحال ليعرف وجه الصلاح.
ثم أجاب من كأنه قال: وماذا عسى أن يضيفا؟ بقوله: {إن يريدا} أي الحكمان {إصلاحًا} أي بينهما، وكأنه نكره لأن الإخلاص ووجود الكمال قليل {يوفق الله} الذي له الإحاطة بعلم الغيب والشهادة {بينهما} أي الزوجين لأن صلاح النية أكبر معين على بلوغ المقاصد، وهذا دالعلى أنه لا يكون شيء إلا بالله، وأن الأسباب إنما هي محنة من الله، يسعد بها من يباشرها ويعتمد على الله دونها، ويشقى بها من يجعلها محط قصده، فيعتمد عليها.
ولما كان المصلح قد يظن مفسدًا لصدعه بمر الحق من غير مداراة، والمفسد قد يعد مصلحًا لما يرى منه من المداهنة والمراءاة والمكر، فيظن من يخلق الوعد بالتوفيق غير ما في نفس الأمر؛ قال تعالى مزيلًا لهذا الوهم مرغبًا ومرهبًا: {إن الله} أي المحيط بجميع صفات الكمال {كان عليمًا} أي مطلقًا على ما يمكن الاطلاع عليه وإن غاب عن غيره {خبيرًا} أي لا يخفى عليه من ذلك خفي، ولا يغيب عنه خبيء، فصارت هذه الآيات كفيلة بغالب أحوال النكاح، ولم يذكر سبحانه وتعالى الطلاق عندما ذكر الشقاق لتقدمه في البقرة، ولأن مبنى هذه السورة على التواصل والتوادّ دون التفاصل والترادّ كما قال ابن الزبير، ولهذا- أي لبناء السورة على التواصل والائتلاف دون التفاصل والاختلاف- خصت من حكم تشاجر الزوجين بالإعلام بصورة الإصلاح والعدالة إبقاء لذلك التواصل، فلم يكن الطلاق ليناسب هذا، فلم يقع له هنا ذكر ولا إيماء إلا قوله: {وإن يتفرقا يغن الله كلًا من سعته} [النساء: 130]- انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر عند نشوز المرأة أن الزوج يعظها، ثم يهجرها، ثم يضربها، بين أنه لم يبق بعد الضرب إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم من الظالم فقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} قد تقدّم معنى الشقاق في [البقرة].
فكأنّ كل واحد من الزوجين يأخذ شِقًّا غير شِقّ صاحبه، أي ناحية غير ناحية صاحبه.
والمراد إن خِفتم شِقاقًا بينهما؛ فأضيف المصدر إلى الظرف كقولك: يعجِبني سَيْر الليلة المُقْمرة، وصومُ يومِ عرفة.
وفي التنزيل: {بَلْ مَكْرُ الليل والنهار} [سبأ: 33].
وقيل: إن بَيْنَ أجرِي مجرى الأسماء وأزِيل عنه الظرفية؛ إذ هو بمعنى حالهما وعشرتهما، أي وإن خِفتم تباعد عشرتهما وصحبتهما {فابعثوا}.
و{خِفْتُمْ} على الخلاف المتقدّم.
قال سعيد بن جُبير: الحُكْم أن يعِظَها أوّلًا، فإن قبِلت وإلا هجرها، فإن هي قبِلت وإلا ضربها، فإن هي قبِلت وإلا بعث الحاكِم حَكَمًا من أهله وحَكَمًا من أهلها، فينظران ممن الضرر، وعند ذلك يكون الخُلْع.
وقد قيل: له أن يضرِب قبل الوعظ.
والأوّل أصح لترتيب ذلك في الآية. اهـ.

.قال الفخر:

قال ابن عباس: {خِفْتُمْ} أي علمتم.
قال: وهذا بخلاف قوله: {واللاتى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} فإن ذلك محمول على الظن، والفرق بين الموضعين أن في الابتداء يظهر له أمارات النشوز فعند ذلك يحصل الخوف وأما بعد الوعظ والهجر والضرب لما أصرت على النشوز، فقد حصل العلم بكونها ناشزة: فوجب حمل الخوف هاهنا على العلم.
طعن الزجاج فيه فقال: {خِفْتُمْ} هاهنا بمعنى أيقنتم خطأ، فإنا لو علمنا الشقاق على الحقيقة لم نحتج إلى الحكمين.
وأجاب سائر المفسرين بأن وجود الشقاق وإن كان معلوما، إلا أنا لا نعلم أن ذلك الشقاق صدر عن هذا أو عن ذاك، فالحاجة إلى الحكمين لمعرفة هذا المعنى.
ويمكن أن يقال: وجود الشقاق في الحال معلوم، ومثل هذا لا يحصل منه خوف، إنما الخوف في أنه هل يبقى ذلك الشقاق أم لا؟ فالفائدة في بعث الحكمين ليست إزالة الشقاق الثابت في الحال فإن ذلك محال، بل الفائدة إزالة ذلك الشقاق في المستقبل. اهـ.
قال الفخر:
المخاطب بقوله: {فابعثوا حَكَمًا مّنْ أَهْلِهِ} من هو؟
فيه خلاف: قال بعضهم إنه هو الإمام أو من يلي من قبله، وذلك لأن تنفيذ الأحكام الشرعية إليه، وقال آخرون: المراد كل واحد من صالحي الأمة وذلك لأن قوله: {خِفْتُمْ} خطاب للجميع وليس حمله على البعض أولى من حمله على البقية، فوجب حمله على الكل، فعلى هذا يجب أن يكون قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ} خطابا لجميع المؤمنين.
ثم قال: {فابعثوا} فوجب أن يكون هذا أمرًا لآحاد الأمة بهذا المعنى، فثبت أنه سواء وجد الإمام أو لم يوجد، فللصالحين أن يبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها للإصلاح.
وأيضا فهذا يجري مجرى دفع الضرر، ولكل أحد أن يقوم به. اهـ.

.قال القرطبي:

الجمهور من العلماء على أن المخاطب بقوله: {وَإنْ خِفْتُمْ} الحُكّامُ والأُمراء.
وأن قوله: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا} يعني الحكمين؛ في قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما.
أي إن يرد الحكمان إصلاحًا يُوفّق الله بين الزوجين.
وقيل: المراد الزوجان؛ أي إن يرد الزوجان إصلاحًا وصِدقًا فيما أخبرا به الحكمين {يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا}.
وقيل: الخطاب للأولياء.
يقول: {وَإِنْ خِفْتُمْ} أي علمتم خِلافًا بين الزوجين {فابعثوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} والحكمان لا يكونان إلا من أهل الرجل والمرأة؛ إذ هما أقعد بأحوال الزوجين، ويكونان من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقه.
فإن لم يُوجد من أهلهما مَن يصلح لذلك فيُرسِل من غيرهما عدلين عالِمين؛ وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يُدْرَ مِمن الإساءة منهما.
فأمّا إن عرِف الظالم فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه ويُجبر على إزالة الضرر.
ويقال: إن الحَكَم من أهل الزوج يخلو به ويقول له: أخبِرني بما في نفسِك أتهواها أم لا حتى أعلم مرادك؟ فإن قال: لا حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت وفرّق بيني وبينها، فيُعرف أن مِن قِبله النشوز.
وإن قال: إنِّي أهواها فأرضِها من مالي بما شِئت ولا تفرّق بيني وبينها، فيُعلم أنه ليس بناشِز.
ويخلو (الحكم من جهتها) بالمرأة ويقول لها: أتهوِي زوجَك أم لا؛ فإن قالت: فرّق بيني وبينه وأعطه من مالي ما أراد؛ فيعلم أن النشوز من قِبلها.
وإن قالت: لا تفرّق بيننا ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي ويحسِن إليّ، علم أن النشوز ليس من قبلها.
فإذا ظهر لهما الذي كان النشوز من قِبله يُقبِلان عليه بالعِظةِ والزجر والنهي؛ فذلك قوله تعالى: {فابعثوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}. اهـ.

.قال الفخر:

إذا وقع الشقاق بينهما، فذاك الشقاق إما أن يكون منهما أو منه أو منها، أو يشكل، فإن كان منها فهو النشوز وقد ذكرنا حكمه، وان كان منه، فإن كان قد فعل فعلا حلالا مثل التزوج بامرأة أخرى، أو تسرى بجارية، عرفت المرأة أن ذلك مباح ونهيت عن الشقاق، فإن قبلت وإلا كان نشوزا، وإن كان بظلم من جهته أمره الحاكم بالواجب، وإن كان منهما أو كان الأمر متشابها، فالقول أيضًا ما قلناه. اهـ.